فائدة التقرب إلى الله تعالى بالنوافل بعد الفرائض
يقول: (فإذا فعل العبد ذلك) يعني: إذا تقرب إلى الله تبارك وتعالى بالنوافل بعد الفرائض (قرب إليه، ورقاه من درجة الإيمان إلى درجة الإحسان، فيصير يعبد الله على الحضور والمراقبة، كأنه يراه).وعبادة المؤمن في حال الإيمان هي عبادة من يخاف الله، ويتقيه، ويرجو ثوابه، ويخشى عقابه على الغيب، فإذا اجتهد حتى أصبح يعبد الله وكأنه يراه في كل لحظة، وفي كل موقف، وفي كل عمل، فهذه درجة الإحسان.وذلك كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل عليه السلام: ( أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك )، فتستشعر أن الله يراك، وتعبده وكأنك تراه أيضاً، وهذه درجة عالية، فإن لم تكن تراه فإنه -تبارك وتعالى- يراك، فليس كل من يعبد الله، وليس كل المؤمنين يستشعر هذه الرقابة، وهذه الرؤية دائماً، فهذه الدرجة امتن الله تعالى واختص بها طائفة من عبادة المؤمنين، فيجب على كل مؤمن أن يجتهد؛ ليكون كذلك بحسب الاستطاعة؛ ولو بمحبة القلب، وبتمنيه أن يكون كذلك، وأن يدعو الله أن يوفقه كي يكون كذلك؛ حتى يعبد الله تعالى -كما قال- على الحضور والمراقبة.فإذا عمل عملاً، أو نطق نطقاً فإنه يستشعر أنه يرى الله عز وجل وكأنه يقول له: يا عبدي! ليس الأمر كذلك؛ فهذا حرام، وهنا يأتي الورع.والإحسان اسم عام، ولهذا قال العلماء إن ما يسميه الصوفية في المقامات بمقام الزهد، ومقام الورع، ومقام التوكل، ومقام الخشية والإنابة؛ كل هذه المقامات تجمعها مرتبة ودرجة الإحسان وهي الكلمة واللفظة الشرعية، أي: أنه أحسن عمله، وأجاده، وأحسن صلته بالله عز وجل، وأحسن المراقبة لله عز وجل، فأصبح يستشعر في كل أمر رؤية الله تعالى له، فإذا حصل هذا فإنه يمتلئ قلبه بمعرفة الله تعالى، ومحبته، وعظمته، وخوفه، ومهابته، وإجلاله، والأنس به، والشوق إليه، حتى يصير هذا الذي في قلبه من المعرفة مشاهداً له بعين البصيرة، وأما نحن ومن كان على مثل حالتنا -نسأل الله أن يصلح أحوالنا- فإننا نسمع ونقرأ هذه العبارات ولم نذق حقيقتها، لكن من جرب ذلك، واجتهد حتى يكون كأولئك؛ فإنه يدرك معنى هذا الكلام.وقد كان السلف الصالح رضي الله عنهم يرون بعين البصيرة كل هذه الأمور، ويحسون بهذه الأشياء، ويشعرون بذلك، ولذلك لم يكونوا يرون ألماً أشد عليهم من أن ينقطع الإنسان أو يغفل عن ذكر الله، أو عما يجب عليه، أو أن يرتكب ذنباً فتسود صحيفته عند الله عز وجل بهذا الذنب، فهذا هو الذي كان يؤرقهم ويؤلمهم، ولذلك قال قائلهم: [ إني لأرى أثر معصيتي في خلق دابتي، وامرأتي، وخادمي ]، فهم يرون أثر معاصيهم، وهذا كما قال الآخر: [ إن القوم قلت ذنوبهم؛ فعرفوا من أين أوتوا ].فالإنسان إذا لم يكن عليه دين إلا لفلان فإنه يقول: ما عندي دين إلا لفلان؛ فهو يعرفه، لكن إذا تدين من هذا، ومن هذا، ومن هذا؛ فإن الديون تخفى عليه، ولا يذكر كل أصحابها، ولا يبالي بها والعياذ بالله، وهكذا هنا من قلّت ذنوبه علم من أين أوتي.